بالونٌ سحريّ! [دليل التعامل مع مخاوف الأطفال]

آن الأوان لأكتب، أشعر في هذه اللحظة أن رأسي ثقيل وعينيّ تحترقانِ بالدمع بسبب زكامٍ جاء في ميعاد مثيرٍ جدًا للشُبهات، لا ينبغي أن يراني أي شخصٍ وإلا تجنّبني للأبد وانتابته الهواجس خوفًا من إصابته بوحشِ الكورونا.. على أيةِ حال، أردتُ منذ فترةٍ كتابة تدوينة عن أحد القصص، لكنني فوّت قطار الإلهام ساعتها ولم يمرّ بي منذ أيامٍ وأيام.. لكن؟ ها قدِ استيقظت روح الكاتبةِ فجأة..

قبل أسبوعين تقريبًا، ارتدتُ المكتبة أملاً في إيجاد كتاب أطفال يستحق الكتابة عنه، وقد تحقق أملي! أمسكتُ أحد القصصِ لأجد هذه التساؤلاتِ أمام ناظريّ «ماذا تفعل حين تشعر بالخوف من أن يسخر منك أحد؟ هل تقوم بحماية نفسك بأيّ وسيلة؟ كأن تسخر منهم أنتَ أولاً.. أم تبتعد وتتجنبهم؟ هل تشعرُ بالغضب وتكتمه في نفسك؟» وفكرت: هذه تساؤلاتٌ قد يطرحها الكبار فيما بينهم حين يحاولون فهم شخصٍ ينتابهم الفضول نحوه.. لكن، هل جربنا يومًا البحث عن أجوبة لهذه الأسئلة عند أطفالنا؟ «يوسف، والبالونة السحرية» هي حكاية من تأليف: عائشة رافع، ورسوم: سحر عبدالله، صدرت عن دار نهضة مصر للنشر، وتأتي ضمن سلسلة التنمية الأخلاقية.. تناسب القصة غالبًا عُمر الخامسة إن كان الطفل واعيًا ذكيًا، أو السادسة فما فوق -بالنسبة لي، استمتعتُ كطفلة!- لغتها سهلة نوعًا ما وأحداثها متسلسلة وبسيطة جدًا لأنها ركّزت على العالم الداخلي لشخصية البطل.. حسنًا، تبدأ الحكاية بتعرض يُوسف لموقفٍ محرج، تمزق بنطاله في المدرسة وتذكّر لحظة حدوث ذلك لأحد زملائه وسخرية الجميع منه، انتابه الخوف.. فماذا فعل؟

 “«سأدخل في البالونة فورًا» عبارةٌ كان يقولها كلما حدث شيء لا يُحبه، بالونة يوسف سحرية لا يراها أحد غيره، وتأتي فورًا حين يناديها بعقله ويدخل فيها ليطمئنّ أن أحدًا لن يضايقه أو يثير خوفه”

لكن.. الأمور تطورت! فالمعلمة نادته ليدخل إلى الفصل، ذُعِر! اضطُرّ للكذب وادّعاء المرض فأجرتِ المدرسة اتصالاً بوالدهِ ليأخذه، يأتي الأب ويعيده إلى المنزل -حيث بدّل الصغير بنطاله بسرعة- ثم يأخذه ليفحصه الطبيب، أثناء ذلك، يفكر يوسف فيما ينبغي عليه فعله، إنه في ورطةٍ تامّة الآن، كذب على المعلمة، كذب على والده، وكذب على الطبيب أيضًا! ها هو الآن في بالونته إنما ليس سعيدًا ولا مطمئنًا!! لكن.. ماذا حصل بعد ذلك؟ سأخبركم، غير أن علينا أولاً الاعتراف بأن تصرفاته منطقية وطبيعية تمامًا، كثيرٌ من الأطفال يلجؤون إلى الكذب خوفًا من العقاب، يسارعون للاختباء من شدّة الخجل وللتقوقع من فرط الحزن! إنه أمرً عاديّ يحدث لأغلبيتهم، لكن هل يتصرف جميع الآباء بحكمةٍ كما فعل والدُ يوسف؟ أشك كثيرًا في هذا الأمر.. نستكمل الأحداث، بعد خروجهما من العيادة، يصطحبُ والد يوسف طفله -المندهش جدًا- إلى مطعمٍ قريب يفضّله، يستفسر الصغير عن سبب وجودهما هنا فيبتسم الأب بهدوء ويجيبه بأنه يعرف قدر محبّته لهذا المكان! في البداية يحسّ يوسف بالخجل والحيرة، وينتابه الضيق من افتقاره إلى شجاعة الاعتراف بحقيقة الأمر.. لكن بعد أن تناولا الطعام وتضاحكا ويشاهدا الأفلام الكرتونية المعروضة على الشاشةِ المُعلقة..

“وجد يوسف نفسه مستريحًا وسعيدًا جدًا، وفي الوقت نفسه، شعر برغبة بمصارحة والده.. في هذه اللحظة بالذات قال له والدهُ بصوتٍ مُشجّع وهو ينظر في عينيه: «غالبًا ما يحدث في المدرسة أشياء مُتعبة.. يبدو أنك تضايقت من شيء ما جعلك تتوتر يا يُوسف!»  هنا وجد نفسه يبكي ويقول: «أنا كذّاب! أنا شرير» ثم حكى لوالده ما حدث تمامًا! بينما ينظر الأبُ إليه بنفس الحبّ والاهتمام، بعد أن انتهى يوسُف من حديثه قال له: «لابدّ أنك شعرت بحرجٍ حين تمزق بنطالك، هذا موقف محرج فعلاً.. ماذا تحب كنت أن تفعل حتى لا تشعر بالضيق والخجل يا يوسف؟»”

أرأيتم مثاليةً ولطفًا كهذا؟ أتذكّر في هذه اللحظة خطواتُ الإسعاف النفسي، أوّل عنصرين فيها هما [التهدئة والتأمين] إذ على الخائف أن يطمئن ويستكين أولاً، عليه أن يعلم أنه لا بأس، مهما كان الأمر.. لا بأس، هناك ملاذٌ آمنٌ أحتمي به.. العنصرين الثالث والرابع هما [التفريغ والتلخيص] فبعد أن يسكن الأمان القلب، يبدأ بإخراج مخاوفه وإطلاق سراحها، وفي المقابل، يلخص المستمع الموقف بصورةٍ بسيطة صالحةٍ للنقاش.. بعد ذلك يأتي العنصرينِ الأخيرين وهما [التثبيت والتكييف] وقد تستنبطون المعنى من هذه الأسطر من القصة: 

“قال الأب: «وهل ذهب الخوف حين دخلت في البالونة؟» قال يوسف: «في البداية استرحتُ قليلاً، ثم بدأت أرتعش وأردت أن أبكي» .. أجابهُ الأب: «أنت لست كذابًا ولا شريرًا يا يًوسف.. أنت شعرت بالخجل والحرج فارتبكت، الآن.. هل تعتقد أن بإمكانك التصرف بطريقة مختلفة لو تعرضت للموقف مرة أخرى، أو حتى لموقفٍ غيره؟» حين بدأ يوسف بالتفكير فيما قاله والدهُ شعر بطاقةٍ داخله تمنحه قوة وشجاعة لم يكن يظن أنها موجودة لديه! وجد نفسهُ ووالدهُ داخل بالونةٍ كبيرة لكن مختلفةً عن بالونته.. هذه البالونة يشعر داخلها بالامان، ولأول مرة، شعر يوسف بأنه لا يحتاج إلى الهرب ممن حوله، ولا أن يقول أشياء غير حقيقية”

تحملُ القصة قيمة «التحرر من الأفكار المعوقة» وتوجد في نهايتها عدة أنشطةٍ وألعابٍ يقوم بها الراشد مع طفلهِ من أجل فهم المشاعر بشكلٍ أكبر! قمتُ بتصويرها من أجلكم.

 

*القصة من جرير (الكترونية) بـ ٤ ريالات من هُنا، وأونلاين من هُنا

يخطرُ ببالي أمرٌ أخير.. في حياتكم كأشخاص راشدين، هل تعلمتم كيف تتعاملون مع مشاعركم دون مواراتها بعيدًا عن الأعين؟ هل التفتّم يومًا لاحتياجاتكم وتعرفتم على طريقةٍ لتلبيتها وإرضائها؟ أيوجد في عالمكم شخصٌ يستمع إلى مخاوفكم بأسلوبٍ طيّب، ويقبل أخطاءكم بصدرٍ رحب؟ فكّروا.. واهتموا بأنفسكم، وامتنّوا لمن حولكم! وكونوا أنتم الملاذ لمخاوف أطفالكم! 

دمتم سالمين! (لحّنتوها بالله؟) 

تعليق واحد

  1. marwan

    دم دم دمتم سالمين

    Liked by 1 person

  2. مَلامحُ غَيثٍ

    كنتُ قد أجّلتُ هذه التدوينة كثيرًا، لم أتخيل أنها سلسة لهذا الحد!
    القصة تبدو خفيفة وكذلك سردكِ لها وتعليقاتكِ عليها جعلتها أكثر ثراءً..
    شكرًا ليوسف ووالده، ولتدوينتك هذه، فعلًا منحتني شيئًا دافئًا.

    Liked by 1 person

  3. sarah 🌱

    بداية صباح سعيد ودافئ بالنسبه ليّ عندما قرائتها ❤️.
    أتمنى لك يوم ونيس مثل يوم الخميس 🤎
    الثامنة صباحًا 🌱

    Liked by 1 person

أضف تعليق