أيّامٌ من مايو.

(١)

بدأتُ هذه التدوينة في الخامس من مايو، الساعة الآن الثامنة والربع مساء.. أجلسُ في شرفة المنزل متدثرةً بمعطفٍ أسود ثقيل، يبدو أن درجة الحرارة تُقارب ١٤ ْ درجة مئوية.. وكوب الشاي الذي أحتضنه بين يديّ لا يخفف من لسعةِ البرد.. السماء سوداءُ تمامًا، توجد نجمةٌ متلئلئةٌ في مرمى البصر، وعلى بعض الشُرفات حولي عُلقت أضواء خافتة تتبدّل ألوانها كل خمسِ ثوانٍ ما بين الأزرق والأصفر والأبيض، إطلالةٌ رمضانية لطيفة من الجيران.. أشتمّ رائحة عشبٍ نديّ، ربما يكون أحد حراس البناياتِ قد سقى أشجار الشارع الخضراء منذ قليل، لا أعرف.. لكنها رائحة منعشة ومريحة للأعصابِ إلى حدٍ كبير.

رمضان هذه السنة مرتبٌ جدًا، أستيقظ في الظهيرة، أقوم بالمهمات المنزلية والمساعدة في إعداد الفطور وما شابه، أقرأ الورد اليوميّ، وبعد أذانِ المغرب أتصفح بعض الكتبِ أو أتفقد مواقع التواصل الاجتماعيّ، أصلي، وبحلول منتصف الليل أمارس بعض الرياضة ثمّ أشاهد برنامجيّ قدوة وقلبي اطمأن، أتناول سحوري وأنتظر شروق الشمسِ ثم أخلد إلى النوم، بهذه البساطة تمضي الأيام.. يومًا بعد يوم.

الحياة ساكنة، ليس فقط من حولي، بل في نفسي أيضًا، كما لو أن جميع الأفكار قد ترسبّت في قاع رأسي.. لم أعد أفكر بالغد بشكلٍ سلبيّ، أقارن هدوئي الآن بالتوتر الذي كنتُ عليه منذ أربعة أشهر.. كان عقلي في غاية الانشغال بالمستقبل، فكرتُ كثيرًا بـ «ماذا لو؟» وتخيلتُ ألف ألف سيناريو، ولم يتضاءل هذا القلق كثيرًا إلا مع بدء شهر رمضان، شعورُ المرء بأنه لا يعلم ما سيحلّ به غدًا هو -لأول مرةٍ- شعورٌ جيد، لأنه يسمح لي بعيش اليومِ بأقصى إمكانية، وبأقل قدرٍ من الضغوط.. عمل والدي غير مستقر، أوضاعنا العائلية، مدارس إخوتي.. كلها أمورٌ مترنّحة تميلُ بحسبِ ميل الريح، حياتي كذلك.. سير حياتي الشخصية أصبح رهن الظروف، مع ذلك يتملكني اطمئنانٌ يختلفُ الآخرون في تفسيره، ربما يُنظر إليه كما لو كان برودًا وبلادة.. لكنه ليس كذلك، فقط.. لا أستطيع شرحه.

على أيةِ حال، فجأة.. انطفأت شهيتي للكتابة، لنتوقف هنا اليوم.

(٢)

الثامن من مايو، غاضبةٌ بشكلٍ مريع، وكأن عاصفة تعبرُ من خلال رأسي ولم تخرج بعد! فجأة ودون سببٍ أفكر بكل أمرٍ مزعج حدث لي الفترة الماضية، الآن وأنا أنظر لما كتبته قبل يومين بالضبط أبتسم (بمزيدٍ من الغضب) وأكاد أصدم رأسي بالجدار، ماذا حلّ بي؟ لا أدري في الحقيقة.. يموجُ بركانٌ في صدري، قمتُ بتنظيف المنزل علّي أتخفف من بعض الطاقة الشريرة، أريد أن أمارس بعض الرياضة -سأنهض فور إنهاء هذه الأسطر- لأخرج المزيد من الطاقة الشريرة! لعلّ وعسى.. لا أستطيع وضع يدي على ما يثير أعصابي، أمورٌ صغيرة من أشخاص مقربين، صغيرة للغاية فعليًا لكنها عظيمة معنويًا.. أودّ البقاء وحيدة، ولا أريد ذلك في الوقتِ نفسه، ولو سألني أحدهم: حسنًا، ما بالك؟ بشكلٍ واضح؟ لا أملك جوابًا حتى.. أرغب بالخروج من المنزل ورؤية السماء والمشي تحت ظلّ أشجارٍ متراصّة، ورؤية وجوهِ مبتسمة، واللعب مع طفلٍ صغير، والذهاب إلى المكتبة.. ولقاء أصدقائي، فقط.. تناولتُ حبّة دواءٍ وأنا أكره الأدوية، وأتساءل إن كان كل هذا التأثير صادرٌ منها؟ لم يكن مكتوبًا في الأعراض الجانبية..

ملاحظة: في اليوم التالي، بدا أنّ شريك الحياة قد نال شيئًا من هذه الشرارات الحارقة، تمّ تسمية هذا المزاج بـ : عاركني الآن!

(٣)

الثامن والعشرون من مايو، الثانية بعد منتصف الليل.. أجلسُ فوق سريري وقد أنهيتُ للتو الموسم الأول من مسلسلٍ أوصت به صديقتي المفضلة، ويروقني بشدّة، أظنني نادمة لأنّي لم أمنح نفسي فرصةً لمشاهدة توصياتها منذ وقتٍ بعيد، لكن، لكل شيء وقته على أيةِ حال.. إذًا، مرّ رمضان، انتهى العيد -الذي كان رائعًا وعاطفيًا ودافئًا جدًا بالمناسبة- وبدأت مرحلةٌ ساكنة من نوعٍ جديد، لا عمل هذه الأيام، شعوري في هذه اللحظة؟ تصالحً تامّ مع الحياة، عدا كوني لا أمارس الرياضة، في الواقع التزمتُ لأسبوعين كاملينِ ثمّ تخليت عن الأمر فجأة، كعادتي، رغم أنّي شاهدتً عشرات العارضات على pinterest لأبقي دافعيتي على قيدِ الحياة، ورغم أني أملك وقتًا هائلاً، ورغم أن هناك جدولاً منظمًا للغاية لاتباعه، ورغم أني لا أكفّ عن سرد قائمةٍ لجلد الذات وسأتوقف الآن! على أيةِ حال.. إنه مصدر إزعاجي الدائم، وحين أفكر بطريقةٍ إيجابيةٍ أرى أن من نعمة الله عليّ أن تغيير ذلك بيديّ، وأنني الكسولةُ المخطئة المقصّرة، وبالتالي فإنّ بلائي هو (أنا) وليس لي أن ألوم أيّ عاملٍ آخر.. بدأتُ مؤخرًا بقراءة روايتين لكاتبتين عربيتين -يتميز هذا العام بارتفاع معدل قراءتي للعرب- وهما: «حارس سطح العالم» لبثينة العيسى و «أرني أنظر إليك» لخولة حمدي، قرأتُ من كل واحدةٍ حوالي مئة صفحة ولم أكمل، شيّقان بالفعل لكن مزاجي لا يناسب القراءة حاليًا، سمعتُ محاضراتٍ طبيّة من والدي الطيب، وأحببتُ كيف تتعاون الخلايا فيما بينها، وتعرفتُ على دور الغدد اللمفاوية، هل أخبرتكم قبلاً بأنّي لو كنتُ أكثر ذكاءً فقط في الرياضيات لاخترتُ المسار العلمي؟ ولصرتُ طبيبةً يُشار إليها بالبنان، لكن؟ حينها لم أكن لأصبح كاتبة محتوى لأنّي -بديهيًا- مشغولة للغاية بالمذاكرة، ولا يبدو أني سأكون قد أنهيتُ دراستي -ويا للهول لا أتصور نفسي طالبةً حتى الآن!- وبالتأكيد لم أكن لأرتبط بصديق طفولتي (يكره الطبيبات، ما العمل؟) وهكذا، نقولُ مرحى لتدهور جانبي الحسابيّ! ماذا أيضًا؟ جربتُ نوع شاي جديد بنكهة الخوخ وآخر بنكهة التوت، جيدان للتجربة وتعلم الدرس وعدم إعادة الكرّة، استمعتُ كذلك لدورة أيمن عبدالرحيم «البيت المسلم» ، ولا أدري.. خطر لي الآن أن أفرد توصياتي بهذا الشأن في فقرةٍ مستقلة.

(٤)

لا زلنا في الثامن والعشرين من مايو! لكنّ الساعة تحركت قليلاً للأمام، وإذًا:

إنني مؤمنة تمامًا أن على المرء أن يستعد للزواج كما يستعد لاختبارات نهائية تحدد حياته بأكملها، هذه الاختبارات تحوي عدة مواد، مادة تتحدث عن العقل، أخرى عن الوجدان، ثالثةُ عن الإدارة المنزلية ورابعة عن الإدارة المالية وإلى آخره.. وأرى أن الطالب النجيب سيبذل جهده في الاستعداد والمذاكرة حقًا لكن؟ قد يواجه أسئلة خارج المنهج، قد يسهو عن بعض الأمور، وقد يرتبكُ فيجيبُ الإجابة الخطأ، هناك العديد من الاحتمالات.. إنما في النهاية، سيكون الصوابُ هو ما يطغى على ورقة إجابتك، لماذا؟ لأنك ذاكرت واجتهدت وصار بإمكانك الارتجال! أفكر بالزواج على هذا النحو، يواجه الناس مواقف عصيبة، المرأة تنهار، تفكر بأن هذا الشخص الذي يقف قبالتها الآن هو الأسوأ، لا يفهمها على الإطلاق، لا يحبّها، لا يعتني بها كفاية.. ويفكر الرجل بأن هذه المرأة هي عقابٌ سماويّ، لا تحترمه، لا تقدّره.. وبالتأكيد مشوشة العقلِ تمامًا.. ولا يدري ما الذي تنتظره منه! والآن حان وقتُ ورقة الأسئلة.. السؤال الأول: لماذا تفكر المرأة بهذا الشكل؟ السؤال الثاني: ما الحالة الانفعالية التي تمرّ بها المرأة الآن، وما تأثير ذلك على تصرفاتها وقراراتها؟ السؤال الثالث: ما الطريقة الأنسب لاحتواء الموقف؟ السؤال الرابع: هل هناك أساليب وقاية نتجنب بها سوء الأوضاع مستقبلاً؟ ومثل هذه الأسئلة بصيغة المذكر أيضًا، من أجل ذلك: نذاكر! من المهم معرفة تكوين الجنس الآخر، منظوره للعالم، طريقة تفكيره وتعبيره عن نفسه، اهتماماته، أولوياته.. لكل إنسانٍ شخصيته الفريدة طبعًا إنما تشترك النساء في نقاط، ويشترك الرجال في نقاط كذلك.. ومجددًا، من أجل ذلك؟ نذاكر! سأطرح لكم أمورًا أظنها مفيدة فعلاً، أولاً: هذه كتب عن الزواج (لستُ من جمعها) ودورة أيمن عبدالرحيم بعنوان: البيت المسلم، وللأمانة شاهدتها بسرعة ١.٧٥ على اليوتيوب إذ لا صبر لي لمحاضرة تدوم ساعتينِ متواصلتين، الدورة ممتعة جدًا وأسلوب المُحاضر -فكّ الله أسره- رائعٌ جدًا، هناك كتب أخرى جيدة مثل: لغات الحب الخمس طبعًا! (تحميلمراجعة أعجبتني!) و احتياجه واحتياجاتها (تحميل)  وربما محاضرات «سكن» لأحمد سالم، أذكر أنها أعجبتني لكنني لا أذكر منها حرفًا، ماذا؟ ألا يحقّ للطالب نسيان دروسه؟؟؟ وفقط، هذا كل ما لدينا من فلسفةٍ لليوم، لا تنسوا ضبط السرعة في اليوتيوب حسنًا؟ إنها خاصيتي المفضلة! 

تصبحون على خيرٍ كثير، وبلّغكم الله عودة الحياة إلى طبيعتها بأحسنِ حال..

تعليق واحد

  1. مساء الأنس
    دائمًا تسعدني وتبهجني قراءة مذكراتك، أشعر باللطف يتمشى بين الأحرف حتى في لحظاتها الغاضبة..

    تذكرت من حديثك عن الزواج ومواد المذاكرة دورة رأيتها وخبأتها للمستقبل أود مشاركة الرابطة معك https://www.rwaq.org/courses/amer-marriage-training

    أرنو أن تغمر السكينة أيامك ✨
    دمت بخير وبهجة ورضا 💕

    Liked by 1 person

  2. تدوينة لطيفة وأسلوب ممتع
    سعدت بالمرور هنا

    Liked by 1 person

  3. شكرًا لكل كلمة هنا🌸🌸
    أيامًا طيبة🎀

    Liked by 1 person

  4. “تفكر بأن هذا الشخص الذي يقف قبالتها الآن هو الأسوأ، لا يفهمها على الإطلاق، لا يحبّها، لا يعتني بها كفاية.. ويفكر الرجل بأن هذه المرأة هي عقابٌ سماويّ، لا تحترمه، لا تقدّره.. وبالتأكيد مشوشة العقلِ تمامًا” كم أضحكني هذا الوصف! ههههههه، بالفعل هناك نقطة ما تنقلب فيها الأمور وتنحدر لأسفل نقطة دون سابق إنذار، تتساءل أين اختفى فجأة كل ذلك الحب السابق؟ والحال أنه ربما لم يختف؛ ربما يختبئ في زاوية ما وعلينا إخراجه برفق وحكمة.
    أرجو لك التوفيق في الاختبار والمذاكرة ياسمين😂💫، وحظا موفقا لك مع رفيق الطفولة🙌💕.
    تذكرت شيئا… سبق وأن حدثتك عن برنامج “سواعدالإخاء الموسم الثامن” والذي يتحدث عن أمهات المؤمنين، ومجددا أخبرك بأنه برنامج رائع، لطيفٌ للغاية قد يساعدك وكل المختبرين في مرحلتهم القادمة، سماعاً ممتعاًومفيدا✨.

    Liked by 1 person

  5. التنبيهات: عشوائيّات الحياة اليومية. | ياسمين محمد ✿

أضف تعليق